الجمعة، 9 مارس 2018

مراجعة رواية ورددت الجبال الصدى لخالد حسيني

مراجعة رواية ورددت الجبال الصدى لخالد حسيني 

مراجعة رواية ورددت الجبال الصدى لخالد حسيني
مراجعة رواية ورددت الجبال الصدى لخالد حسيني 
من جبال أفغانستان وسهوبها تبدأ الحكاية لتمتد بعيداً في الزمان والمكان من كاليفورنيا إلى باريس وباكستان واليونان على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان . وإن كان حسيني قد كرس روايتيه السابقتين لتجسيد معاناة الأفغان خلال فترة الحرب فإن هذه الرواية مكرسة لسرد المعاناة الإنسانية بكافة أشكالها من الافتراق عن المحبين إلى تشوهات الجسد والروح والغربة داخل الوطن والصراع مع المجتمعات المتحجرة.
وعلى امتداد تسعة فصول تروي كل شخصية من الرواية رؤيتها للاحداث في محاولة لاطلاع القارئ على دوافعها بعيداً عن أي محاكمة أخلاقية تغري بتقسيم أطراف الحكاية إلى اشرار واخيار.تبدأ الرواية بحكاية الغول الذي يخطف الأبناء من اسرهم في رمز إلى اضطرار الاب سابور الفقير إلى بيع ابنته باري إلى عائلة وحداتي الثرية لانقاذها من حياة العوز ومصير كمصير أخيها الذي قضى نتيجة البرد وكما قال سابور بأنه (قطع إصبعاً لينقذ كف) ثم يأتي وصف العلاقة بين عبد الله وأخته باري حيث كان يشعر عبد الله أنه قد خلق للعناية بأخته وحسب. لكن جرس الاشتياق لا ينفك يقرع في رؤوس المحبين رغم نسيانهم أو تناسيهم الظاهري.                                                                         
وعلى النقيض من علاقة عبد الله بأخته تأتي حكاية بروانة وأختها الجميلة معصومة التي عانت من إعاقة تسببت بها بروانة بعد نوبة غيرة ثم تتخلى عنها بعد ذلك لتتزوج من سابور. أما نبي الذي كان السبب في تشتيت عائلة سابور بعد أن أراد أن يقدم لزوجة رب عمله التي يعشقها ما لا يستطيع رجل أن يقدم لها,طفل يشفيها من الندبة في قلبها . تتخلى نيلا وحداتي عن زوجها بعد وقوعه فريسة المرض ليكرس نبي نفسه للعناية بسليمان وحداتي الذي يمنحه حباً يعلم أنه لن يتحقق.والحق أن من يقرأ لخالد حسيني لا يملك إلا أن يعجب بقدرة الكاتب على ربط مصائر الشخصيات ببعضها وإضفاء واقعية قد تكون مؤلمة في بعض الأحيان عندما تضع القارئ في مواجهة مع النواحي المظلمة في أعماق النفس البشرية.وكما يصور حسيني دائماً حياة الأفغان في موطنهم ومهجرهم يعد إدريس الطبيب الأمريكي الأفغاني الطفلة روشي التي شهدت مجزرة مروعة تركتها مشوهة بإنقاذها ليخلف وعده بعد وصوله لامريكا ويتناساه في غمرة الحياة اليومية. أما نيلا الثائرة على المجتمع والمنقسمة بي باريس وكابول تربي باري بعيداً عن كل صلة بماضيها إلا أن باري المحاصرة بغياب لا تعرف مصدره تراودها الشكوك حول جذورها وتقرر السفر إلى أفغانستان بحثاً عن أجوبة قاطعة إلا أنها تعدل عن الفكرة بعد زواجها وإنجابها لأبنائها . وكان الطبيب ماركوس - وهو طبيب يوناني تطوع للعمل في كابول- هو خيط الوصل بين نبي وباري. ماركوس الذي كان يشعر بأنه منفي في جزيرته اليونانية وغريباً عن أمه يقرر الرحيل والتجوال في العالم إلا أنه يحمل معه ذكرى صديقته تاليا التي تشوه وجهها بفعل عضة كلب أينما ذهب  يقول ماركوس: ( اخترت تخصص طب التجميل لمحي أفضلية الناس العاديين على أمثال تاليا لأصحح بكل جرح بمبضعي ظلماً اعتباطياً ..لأسجل موقفاً صغيراً أمام نظام عالمي مشين في عالم يسمح أن تسرق عضة كلب المستقبل من فتاة صغيرة ..بأن تجعلها مرفوضة من المجتمع) . باري ابنة عبد الله تكبر على قصص أبيها عن أخته باري تشعر بوجودها إلى جانبها وتجعل منها رفيقتها السرية ورغم سفره إلى أمريكا وتقدمه بالسن يبقى عبد الله محتفظاً بعلبة ريش الطيور كرمز لبقاء المحبة رغم مرور السنين. وبعد أن يصاب عبد الله بالشيخوخة ويقع في هوة النسيان يلتقي بأخته في لقاء يشبه جسراً حاول الوصول والتوحد مع الطرف الآخر إلا أنه فشل في تحقيق ذلك. رغم ذلك تبقى مساحة أثيرية يلتقي بها المحبون, يراوغون بها القدر والزمن ويتحدون ببعضهم في عالم مغمور بالضياء على هذا المساحة بنى خالد حسيني روايته التي تشكل ملحمة يتحول فيها الحب إلى حالة أبدية تظل الجبال تردد صداها رافضة تسليمها إلى قبضة النسيان.

اشترك ليصلك كل جديد